لولا سلامك سبق كلامك، حكايات شعبية من فلسطين

إسم الكاتب: اماني الجندي (محرر)
اسم دار النشر أو المجلة: وزارة الثقافة
مكان النشر أو عدد المجلة والصفحة: رام الله
تاريخ النشر: ٢٠١٤
تنزيل الكتاب أو المقالة: إضغط هنا

وصف متخصر عن الكتاب:

مقدمة

د.شريف كناعنة

يطلق إصطلاح “قصص شعبية” على أنواع كثيرة من القصص التي يتناقلها الناس شفوياً التي لا يُعرف لها مؤلف، وليست ملكاً لأي فرد أو جماعة في المجتمع. من أنواع القصص الشعبي ما يُعرف بقصص الحيوان والأسطورة والخرافة، وقصة المثل والحكمة، والقصة ذات المغزى، وقصص الجان، وقصص صيبة العين، والنادرة، والطرفة، والنكتة، وغير ذلك كثير.

يضم الكتاب الذي بين أيدينا حكاية: الست صفية، واجبينة، ولولجة، وشكندوارة، وأبو اللبابيد، ونص نصيص، والشاطر محمد، من نوع واحد من القصص الشعبي وهو ” الحكاية الشعبية” والمعروفة ” أكاديمياً ” في حقل الفلكلور أو التراث الشعبي بـ “الحكاية الخرافية” وهي التي كانت تحكيها الأمهات أو الجدّات، في مجتمعنا، في الأمسيات خصوصاً في فصل الشتاء وهي كثيرة ومتنوعة.

تتميز الحكاية الخرافية بمواصفات تختلف عن باقي أنواع القصص الشعبي منها:

1ـ لها وقت وإطار محدد.

2ـ الحضور من الأطفال والنساء، ولا يحضرها الرجال.

3ـ متفق من قبل الجميع أنها خيالية ولم تحدث.

4ـ لها صيغ لغوية تفصل بين عالم الحقيقة وعالم الخيال في بدايتها ونهايتها. ففي البداية نسمع تعابير مثل “وحدوا الله” “كان يا ما كان” “ونحكي ولاّ نام” هذه التعابير تعلن الإنتقال من عالم الحقيقة الى عالم الخيال، وفي نهاية القصة يقال عادة “وعاشوا بثبات ونبات وخلفوا صبيان وبنات “أو “هاي حكايتي حكيتها وعلى فلان رميتها”، وهذه تعلن العودة من عالم الخيال إلى عالم الحقيقة.

5ـ بما أن أحداث الحكاية تحدث في عالم الخيال فهي لا تلتزم بمتطلبات الواقع كما نعرفه.

6ـ الأحداث المركزية في الحكاية الخرافية تتكرر عادة ثلاث مرات، فمثلاً في حكاية جبينة تطلب الفتيات الإذن لجبينة من ثلاثة أشخاص، وفي حكاية نص انصيص يقوم البطل بثلاث مغامرات: يُحضر أشياء تخص الغولة مثل دجاجاتها في أولاها ثم فرشتها في الثانية، ثم يحضر الغولة نفسها في الثالثة.

7ـ بطل الحكاية يكون عادة صغير السن، ومظلوماً، وكثيراً ما يكون صغير الحجم ومشوهاً، وعلى الرغم من ذلك فإنه في النهاية ينتصر على ظالميه، كما يحصل لبطل حكاية ” نص نصيص.

8ـ الحكاية الخرافية تحكى للتسلية أثناء “السهرة” وليست للأطفال وقت النوم كما هو الحال مع قصص الأطفال المكتوبة.

9ـ الحكاية الخرافية تحكيها عادة النساء وليس الرجال، إذ أن للرجال قصصهم الخاصة بهم والتي تحكى عادة في الديوان وتكون حكايات واقعية تحدث في عالم الحقيقة وتكثر فيها المغامرات وقصص العشق والحب والحرب.

10ـ للحكاية الخرافية عادة مستويان، ويمكن فهمها بطريقتين، أحدهما للأطفال والأخرى للكبارـ أو بالأحرى للكبيرات.

يعتقد بعض الدارسين في حقل الفلكلور، أن معظم الحكايات الخرافية المنتشرة في العالم اليوم جاءت أصلاً من الصين أو من الهند ووصلت الى أوروبا وإفريقيا عبر منطقة الهلال الخصيب ولم تصل إلى السكان الأصليين في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى إلا في العصور الحديثة، كذلك فإنها لم تكن موجودة عند السكان الأصليين في قارات العالم الجديدـ الأمريكيتين واسترالياـ إلا بعد دخول الأوروبيين إليها نتيجة للأصول المشتركة للحكايات الخرافية المنتشرة في جميع بلدان العالم، فإننا ما زلنا نجد فيها عناصر مشتركة على المستوى العالمي مما يجعلها تظهر مألوفة بالنسبة الى الجميع، ولكن يظهر فيها أيضاً فروق واختلافات حسب اختلاف الثقافات التي توطّنت فيها ونستطيع أن نلاحظ بعض الإختلافات على جميع المستويات حتى على مستوى الرّواة المختلفين من نفس الثقافة أو نفس القرية وحتى من نفس العائلة الممتدة.

من العناصر المشتركة في الحكايات الخرافية، في جميع نواحي العالم، تركيبتها البنيويّة، إذ نجد دائماً أن الدوافع وراء أحداث الحكاية الخرافية أينما وجدت تكون دائماً إختلاف التوازن بين الخير والشر مما يُحدث صراعاً بين قوى الخير وقوى الشر، ويكون البطل هو المسؤول عن إستعادة التوازن، أي انتهاء الصراع بين قوى الخير وقوى الشر الوسيلة التي بواسطتها يستعيد البطل التوازن بين الخير والشر هي الرحلة أو السفر بمساعدة أو بدون مساعدة قوى خارقة.

لذلك فإن كل حكاية خرافية حقيقية تتكون من الخطوات التالية:

1ـ تكون هناك عائلة في حالة توازن أو حالة ” طبيعية “.

2ـ قوة شريرة تُحدث خللاً في ذلك التوازن.

3ـ البطل يخرج في رحلة.

4ـ البطل يُنهي الصراع ويعيد التوازن.

كل خطوة من هذه الخطوات يمكن تقسيمها الى وحدات أصغر، بحيث يصل عددها، حسب رأي بعض الفلكلوريين البنائيين الى 32 خطوة. محتويات هذه الخطوات تختلف من مكان الى مكان، ومن زمان الى زمان، حسب الثقافة ونمط البناء الاجتماعي الذي تحكى فيه الحكاية، وفي كل مرة تعطى صورة محددة لناحية محددة من نواحي الحياة في تلك الثقافة، أي أن الحكاية إنّما هي إسقاط للمشاكل التي يواجهها الناس عادة في حياتهم اليومية. وبما أن هذه الحكايات تروى عادة من قبل النساء، وليس الرجال، فهي إسقاطات للهموم والمشاكل والرغبات والطموحات للنساء في المجتمع الذي تُحكى فيه. الحكايات الموجودة في هذا الكتاب أتت جميعها من المجتمع الفلسطيني.  حتى نفهم هذه الحكايات، علينا أن نتعرف على طبيعة العائلة التي عاشت فيها النساء اللواتي روين الحكايات، إذ أن المرأة الفلسطينية كانت تقضي حياتها كلها ضمن عائلة عربية شرق أوسطية ممتدة. لذلك فإن بنية العائلة العربية الممتدة ووضع المرأة فيها هو ما يعطي الحكاية الخرافية الفلسطينية “نكهتها العربية”. تتكون مثل هذه العائلة عادة من ثلاثة أو أربعة أجيال: الأب وزوجاته وبناتهم وأبنائهم غير المتزوجين، وأبنائهم وأحفادهم المتزوجين مع زوجاتهم وأطفالهم يعيشون في بيت واحد ويتشاركون في مطبخ واحد، ويحكم الأب العائلة ويدير جميع شؤونها. ومن صفات مثل هذه العائلة، بالإضافة الى كونها ممتدة، أنه يسمح فيها الزواج الداخلي، ويسمح تعدد الزوجات، ويكون السكن دائماً مع أهل الرجل، ويكون الولاء والإنتماء من خلال خط الذكور.

هذه الحكاياتإنما هي إسقاطات لمشاكل وهموم ومخاوف ورغبات وطموحات النساء الفلسطينيات وهن يحاولن التوافق مع باقي أفراد مثل هذه العائلة ومع الحياة داخلها.

عندما ننظرالى عينة من هذه الحكايات مثل تلك الموجودة في هذا الكتاب الذي بين أيدينا نجد أنها كلها تقريباً تدور حول صراعات وتوافقات في إطار مثل هذه العائلة وأنه يمكن تلخيصها وتبويبها تحت عدد قليل ومحدد من الصراعات داخل العائلة الممتدة نذكرها هنا بشكل مقتضب، ودون تفصيل أو تحليل ونترك للقاريء إمكانية تحليل الحكايات وتذوّقها على ضوء التبويب التالي:

1ـ صراع بين الإناث في العائلة حول التحبب والتقرب الى الذكور:

أ ـ صراع بين الضراير.

ب ـ صراع بين السلفات.

ج ـ صراع بين البنات غير المتزوجات.

2ـ صراع على التحكم بالذكور( الزوج، الابن، الأخ ).

أـ صراع بين الحماة والكنة.

ب ـ صراع بين أخت الزوج ( العّمة ) والزوجة.

3ـ صراع حول الأموال والإرث:

أـ صراع بين الضراير على ورثة أبنائهن من الزوج.

ب ـ صراع بين السلفات على ورثة أزواجهن من الجد.

4ـ صراع حول ضبط السلوك الجنسي لإناث العائلة:

أـ صراع بين الذكور والإناث ( خصوصاً الإخوة والأخوات ).

ب ـ صراع بين الإناث بسبب الغيرة أو بحجة الحفاظ على شرف العائلة:

5ـ صراع بين الأم وزوجات الأبناء.

6ـ صراع بين الأخوات وزوجات الأخوة.

7ـ صراع حول الحفاظ على تماسك واستمرارية العائلة الممتدة:

أـ أب وأبناء مقابل الكناين.

ب ـ أم وبنات مقابل الكناين.

هذه الصراعات هي جزء من طبيعة تكوين العائلة الممتدة، وهذا يفسر لماذا انتشرت الحكاية الخرافية كثيراً عندما كانت العائلة الممتدة هي السائدة في المجتمع، كما يفسر، بالإضافة الى عناصر أخرى مثل انتشار تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات، لماذا بدأت بالتراجع والإختفاء مع تحول العائلة الممتدة إلى عائلة نووية صغيرة.


ذكر هذا الكتاب/المجلة في:
2019-01-30T05:45:25+00:00